واعظ زادة : توأمة المواهب و الحوافز الإيرانية مع البصيرة و الإرشاد الإسلاميين ستتنتج تنمية علمية إسلامية إيرانية

 

 

 

قال رئيس مركز النموذج الإسلامي الإيراني للتنمية  أنّ التنمية  تطور متعدد الأبعاد و معرفة علمية متعددة الفروع.

أضاف الدكتور "صادق واعظ زادة" فی جلسة افتتاح الدورة الرابعة للمؤتمر الإسلامی الإیرانی للتنمیة و التی أقیمت فی المكتبة الوطنیة للجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة فی موضوع "تنمیة إیران الماضی، والحال، والمستقبل" قائلاً : العالم غیر الصناعی الذی لم یمرّ علی عملیة التصنیع راح یحاول فی أكثر الأحیان وراء التنمیة الصناعیة بخطاب تم إعداده وفق نماذج المجتمعات الصناعیة بید أنّنا نفهم الآن ضرورة التطور الشامل و المتعدد الفروع كما نفهم أنّه لا یمكننا استخدام نموذج التصنیع و لا النموذج القائم علی حلّ المشاكل بل نحن بحاجة ماسة إلی نفس جديدة و علينا إملاء هذا الفراغ بأنفسنا .

و إليك نص كامل لأقوال الدكتور صادق واعظ زادة حسبما نشره مكتب العلاقات العامة بمركز النموذج الإسلامي الإيراني للتنمية :

أنا أطرح سؤالاً بسيطاً فيما يتعلق بموضوع المؤتمر تهمنا الإجابة عليه لإعداد النموذج الإسلامي الإيراني للتنمية و السؤال هو أنّه ما هي العلاقة بين ماضي التنمية و حالها و مستقبلها و ما هو السبب الذي يؤدي إلی هذه العلاقة؟ فإحدی الإجابات البسيطة أنّ الزمن، سبب إيجاد الماضي و الحال و المستقبل و يقوم مثل خيط المسبحة بربط كلّ واحد من هذه الثلاثة . ولكنّنا نعرف أنّ الزمن لا إصالة له و سبب تكوين السابق و التالي و تسلسل الأحداث بشكل عام هو التحرك حيث يقوم العقل ببناء مفهوم الزمن حسب هذا التسلسل . فالذي ينتج الماضي و الحال و المستقبل هو التطور و التحرك إذ كانت التنمية تطوراً و تحركاً فما هو موضوع التطور و سبب التحرك؟ فإذا لم نعرف المتحرك لم يسعنا فهم جهة الوصول و طريق التحرك، أي إعداد نموذج التنمية . ففي التنمية العلمية يكون موضوع التنمية و سبب حركتها هو العلم و في التنمية الثقافية هي الثقافة و في التنمية الإقتصادية هو الإقتصاد . و لكن ما هو موضوع و سبب حركة التنمية الشاملة؟ وما هو الذي يجب أن يتطور؟

كما يمكن طرح السؤال الرئيس المذكور آنفاً بشكل آخر و في إطار منطقي أيضاً و هو : ما هو السبب المادي أم مادة التنمية؟ في أي شيء تحصل التنمية؟ فالإجابة علی هذا السؤال مهمة جدّاً لمعرفة التنمية . و بما أنّ مادة التنمية تكمن فی التغییر و التطور دائماً فمعرفتها الدینامیكیة (معرفتها نظراً لحركتها) نفس معرفة طريق التحرك . كما أنّ هذه المعرفة ليست شيئاً مختلفاً عن معرفة مبادئ التحرك . و إذا عرفنا المادة سنتعرف علی مبادئ التطور كما سنتعرف علی ظروف توجد في كلّ لحظة و في كلّ أفق منشود أيضاً . ففي هذه اللحظة تكون هذه المبادئ دليلاً لتحديد الطريق و جهة وصول التحرك أي إعداد نموذج التنمية .

فتمّ تقديم موضوع و مادة و سبب التنمية في الفلسفة السياسية و فلسفة التاريخ و علم الاجتماع و علم النفس و الاقتصاد و غيرها من الفروع بشكل صريح أم ضمني حيث تنوع الإجابات يشير إلی أنّ التنمية تطورٌ متعدد الأبعاد و معرفتُها معرفةٌ عملية متعددة الفروع . لذلك قامت المؤتمر بلفّ شمل الفلاسفة و المؤرخين و علماء الاجتماع و دارسي المستقبل و غيرهم من الأخصائيين في فروع مختلفة أخری كي تتمّ معرفة التنمية من جميع أبعادها و يتمّ تقديمها .

ولكنّ تنوع الإجابات إلی السؤال المذكور يشير إلی أنّه من الضروري وجود منهجية و نهج شمولي لمعرفة المتحرك و مادة التنمية لاسيما إذا نعتقد بروح التنمية التي ليست جزء أيّ بعد من أبعاد التنمية و تبلورت في شمولية المتحرك و يجعل تفكيك التنمية إلی فئات مختلفة أمراً بعيد المنال . لكنّ التنمية هنا ليست تنمية معنوية فقط لأنّ المجال المادي للمجتمع و الذي يشمل علی الإطارات و المرافق المادية للمجتمع أيضاً ينمو . فمادة و سبب حركة التنمية جوهرة روحية – مادية و معنوية – أساسية . كما أنّ تقزیم التنمية و تقلیصها إلی مجال مادي بحت أمر غيرحقيقي و خاطئ، فعدم الاهتمام بالمجال المادي للتنمية أيضاً أمر غير حقيقي و مضلّ . فالتنمية تحصل في الروح و الجسد و تؤدّي إلی التطور و النمو الروحي و المادي . فمجال الحياة جسد للتنمية كما مجال التفكير و الروحانيات .

فالنتيجة أنّ السؤال عن المادة و موضوع و سبب تحرك التنمية سؤال منطقي و ضروري عن حقيقة مؤكدة يتم التعرّف عليها بنهج شمولي . فتستلزم معرفة هذه الحقيقة الانتقال من دراسات متعددة التخصصات إلی دراسات متداخلة التخصصات . فإحدی نتائج هذا الانتقال تبرعم علم التنمية الشاملة التي نشعر بفراغه اليوم بسبب تطورات و تقسيم مجالات العلوم و تفكيكها . فمنهجية و علم التنمية متداخل التخصصات أمر لا يهتم به أحد في العالم الصناعي من حيث التاريخ . لأنّ المجتمع الصناعي يعتقد أنّه بلغ مرحلة متقدمة من مراحل التطور و هناك فقط بعض المشاكل الناتجة عن التنمية التي يجب حلّها .  لذلك نماذج التنمية في الغرب قائمة علی حلّ المشاكل في غالب الأحيان و ليس هناك أي اهتمام بالتنمية الشاملة فعلی سبيل المثال القضايا الرئيسية في أوروبا هي تنمية الطاقة و البيئة؛ و في أمريكا تنمية الأمن ؛و في اليابان تنمية الأرض؛ و في كندا التنمية البشرية . لذلك أسباب عدم تواجد التنمية الشاملة و متداخلة التخصصات في أنظمة تصنيف العلوم و كذلك في التقليد الأكاديمي في العالم الصناعي أمر مفهوم تماماً .

أما العالم غير الصناعي الذي لم يمرّ علی تجربة التصنيع راح يحاول دائماً وراء التنمية الصناعية التي كوّن خطابها مطابقاً لنموذج المجتمعات الصناعية .  و لكنّنا اليوم عندما ندرك ضرورة التنمية الشاملة و متداخلة التخصصات لايمكننا استخدام نموذج التصنيع و لا النماذج القائمة علی حلّ المشاكل بل نحن بحاجة ماسة إلی نفس جديد و علينا أن نملأ هذا الفراغ بأنفسنا .

لذلك تأسيس فرع التنمية في الجامعات بدون إطلاع تام عن هذه الحاجة و دون انتاجات مسبقة للمحتوی الضروري سيؤدي إلی تقليص هذا الفرع إلی نسخ بديلة عن فروع التنمية و لايبلغ إلی مستواه المنشود في تصنيف العلوم فلم يعتبر خطوة إلی الأمام . لأنّ الفروع الراهنة تمّ تأسيسها عند حاجة و ضرورة حدثت في العالم الصناعي حيث تكوّنت خلفية علمية ضخمة عند تقديم الإجابات عن تلبية هذه الحاجات و الضرورات . فكلّ فرع جامعي أسّس باسم التنمية و لم يهتم بماهية متداخلة التخصصات للتنمية لن تعتبر ضرورة كافية و لن تحصل علی خلفية علمية مميزة . فهذا الخطر كامن لا محالة في أن تقدّم للطلّاب باسم التنمية الإسلامية الإيرانية مزيج مترجم عن محتويات شكلت أساساً لتلبية ضرورات و حاجات أخری .

فلايمكن لنموذج التنمية متداخلة التخصصات أن يتكوّن بمنهج استنباطي مستخلص بل يجب عليه أن يخرج بكلّ فخر  اعتزاز من بحوثات ميدانية و دراسة النماذج أيضاً . فدولة إيران نظراً إلی ماضيها و حالها و مستقبلها ستكون أحسن نموذج للتفسير الحقيقي عن مثل هذا النموذج التنموي . حيث يستنتج المغفور له الدكتور زرين كوب بعد فترة من دراسات موجزة عن التاريخ الإيراني أنّه كان هناك تيار ثقافي روحي عميق خلف الحوادث التاريخية و الانتصارات و الهزائم و صعود السلالات الحاكمة و انهيارها في إيران و الذي حافظ علیها كشعب و دولة طوال التاريخ . حيث يمكن اعتبار الأحداث العليا و التيار التحتي للتاريخ الإيراني تفسيراً آخر عن جوهرة التنمية و التي تشمل علی جسد التنمية و روحها . فهذه الجوهرة لا تختص بالماضي فحسب بل لها مشاركة في المستقبل أيضاً و ستكون رمزاً للتكامل و الصلة بين الماضي و الحال و المستقبل لتنمية إيران . فعندما شكلت هناك توأمة بين المواهب و الحوافز الإيرانية مع بصيرة و إرشاد إسلاميين نتجت و تطورت تنمية علمية إسلامية إيرانية . كما خلقت الحكمة العملية للفرس بجانب الحكمة النظرية للإسلام جوهرة التنمية و الحضارة الإسلامية الإيرانية . فهذه الجوهرة النظرية الايرانية – عملية و إسلامية – فعلاً كائن حي في دولة ثرية واسعة مأهولة بالسكان لذلك يجب تقييمه و تفسيره علمياً بمنهج متداخل التخصصات و جعله أنموذجاً للتنمية .